0 معجب 0 شخص غير معجب
في تصنيف تعليم بواسطة (533ألف نقاط)

يصف الشاعر الربيع وآثاره الآسرة في هذه الأبيات التي تدور حول ثلاث فكر: مشاهداته لأجواء الربيع ( في الأبيات ( ١-٣ )، مشاهداته مع صاحبيه للرياض وما صنع بها الربيع ( ٤-١١ )، كل تلك المظاهر من صنع الله ( ۱۲ )، فيقول: نعمت أطراف الدهر وجوانبه حتى غدت تتمايل في مشيتها رغداً، وغدا الثرى في أثوابه الزاهية، يتثنى اختيالاً ودلالاً، وأصبح الجو يتقلب بين جو ممطر يذيب الصحو ، وصحو لطيف يكاد من طراوته أن يمطر، فهما غيثان : غيث ظاهر وغيث خفي، ثم يخاطب الشاعر صاحبيه ليشاركاه في الإحساس بجمال هذه المناظر الممتعة، حيث يقول : أيها الصاحبان أمعنا النظر لتبصرا الجمال في وجوه الرياض كيف يصور !! وستشاهدان النهار المشمس قد امتزج به زهر الربي، وكان الجو مقمر وليس مشمسا، وستريان قطرات الندى المتموجة في كاسات الزهور، وكأن كل واحدة منها عين يموج فيها دمع الفرح والابتهاج، وستشاهدان الزهرة وهي تظهر وتختفي خلف النباتات والحشائش التي تغطي وجه الأرض، وكأنها فتاة عذراء تظهر وجهها، فإذا ما رأت أحداً احتجبت حياء وخجلاً، وقد ظهرت الأرض بأماكنها والمرتفعة وقد كساها الربيع لونين من الثياب ، كل لون تلبسه مجموعة، وكان وجه الأرض عصبتان مقاتلتان: إحداهما تنسب إلى اليمن تحمل الرايات الصفراء، والثانية تنسب إلى قبيلة مضر تحمل الرايات ذات اللون الأحمر، وهاتان المجموعتان من الزهور: الصفراء والحمراء تشعر أن بينهما امتزاجاً وتكاملاً عجيباً، فالمجموعة الصفراء فاقعة اللون طرية النبات تشبه درا يلبس الأحمر ثم الأصفر، والمجموعة الحمراء ساطعة الحمرة يشوبها شيء من الصفرة، وكأن اللون الأحمر قد تظلل بلون أصفر ؛ وذلك لما بين اللونين في المجموعتين من تداخل وتشابك في العرض، إن ذلك المشهد الرائع جدير بالتأمل، فهو صنع الله الذي لولا قدرته النافذة في هذه الحياة ما فنيت هذه المناظر الجذابة، فهو الذي أبدعها، وهو الذي يذهب بها، ثم يعيدها متى شاء الله.

شرح درس النص الشعري وصف الربيع كامل مع العناصر

أبيات النص تعطي فكرة واضحة عن القدرة الشاعرية لأبي تمام، وتمكنه من ناصية اللغة، وعن خياله الخصب العميق الظلال، وعن مشاعره المتدفقة التي تنفعل بما تراه من مظاهر الحسن، وروعة الجمال التي أودعها الله في الطبيعة من خلال وصفه الربيع في هذا النص، ففي الأبيات الثلاثة الأولى التي يصف الشاعر فيها الجو العام للنفوس والطبيعة والصحو والمطر يختار لها ألفاظاً وصوراً جميلة متلائمة مع الربيع وبهجته. فالألفاظ مثلاً : ( رقت - حواشي - تمرمر - حليه - يتكسر - يذوب الغضارة غيث وجهه مضمرة رقيقة متحركة اختيرت بعناية لتؤدي دورها في النص من إثارة البهجة، برقة الفاظها، ورشاقة معانيها، ونقل المشهد بمشاعر متفاعلة فياضة.

أما الصور الجميلة ففي البيت الأول ( رقت حواشى الدهر» أسند الرقة إلى حواشي الدهر، حيث شبه الدهر بثوب له حواش مطرزة ناعمة، فحذف المشبه به وهو الثوب وأبقى شيئا من لوازمه وهي الحواشي الرقيقة، ثم وصفها بقوله : « فهي تمرمر وهي صورة أخرى الحواشي الدهر حيث شبهها بفتاة تتمايل دلالاً وبهجة، ثم حذف المشبه به ( الفتاة ) وأبقى صفة من صفاتها وهي التمايل، وهاتان الصورتان من باب الاستعارة المكنية. والشطر الأول في هذا البيت كناية عن رغد العيش في حياة الناس. أما قوله : وغدا الثرى في حليه يتكسر ، ففيه استعارة مكنية أيضاً حيث شبه الثرى ( وجه الأرض ) وقد اخضرت أشجاره وتحركت أغصانه وتنوعت أزهاره بفتاة ليست حليها ومضت تتثنى في مشيتها دلالاً ، ثم حذف المشبه به، وأبقى لبس الحلي والتثني في المشي اللذين هما من لوازم الفتاة. ولا يخفى ما في هذه الصور من روعة، إذ جعلت المشهد متحركا مبتهجاً، وجعلتنا نتفاعل معه في هذا الابتهاج في البيتين: الثاني والثالث توسع الشاعر في وصف الجو وتقلباته بما يسمى الإطناب، إذ كان يكفيه أن يقول: ( الجو عندنا متقلب بين مطر وصحو)، ولكنه شرح هذا المعنى بتوسع وإطناب؛ وذلك لإحساسه العميق، وتفاعله المتواصل، وتمتعه بكل من الصحو والمطر، وركز على المطر كونه هو السبب في هذه المشاهد البهيجة، فالجو إما ممطر أو يكاد أن يمطر، وتكرار لفظي الصحو والمطر يدل على قربهما من نفسه بدرجة واحدة، وتنكيرهما يدل على كثرة التردد، وتكرار كلمة الغيث في البيت الثالث ثلاث مرات يدل على حبه إياه، ومكانته من نفسه، وعلى ثقافته الإسلامية، إذ الماء غيث للأرض وما عليها ومن عليها.

ومن أجمل الكلمات الواردة في هذين البيتين كلمة ( الغضارة ) التي وصف بها الجو الذي يحمل المطر، وتحته أرض قد لبست أبهى حلل فهذه الكلمة تكاد تقطر ماء وخضرة من خلال لفظها ومدلولها؛ حيث جاءت مصورة للمعنى المراد : ( رقة الجو ولطافة النسيم ، وخضرة الأرض ) بحروفها الخضراء الندية، ومدلولها الرقيق الأخضر الرطيب العميق، وفي البيت الرابع استخدم الشاعر الأسلوب الإنشائي ( يا صاحبي ، وهو نداء قصد به الحث على اغتنام الفرصة بالتمتع والتأمل في المشاهد الجميلة.

وهذا الشطر ( يا صاحبي تقصيا نظريكما )، أخذه الشاعر من زهير بن أبي سلمى مما يدل على ثقافته بشعر من سبقه، ومخاطبة المثنى أسلوب شعري متبع عند كثير من الشعراء القدامى، ومن جاء بعدهم. وفي البيت الخامس: تشبيه شعاع الشمس الباهت المرسل إلى الروابي الخضراء التي يعلو أشجارها الزهور المختلفة بضوء القمر مع سواد الليل ونجومه، وهي صورة رائعة وضحت المشهد الربيعي البهيج تحت أشعة الشمس بشكل بديع، في البيت السادس: كلمة ( ترقرق ) صور بها الشاعر تموج قطرة الندى في الزهرة ؛ حيث شبه الزهرة بالعين التي يترقرق فيها الدمع على سبيل الاستعارة المكنية، ثم عاد في الشطر الثاني ليشبه القطرة بالدمعة المتحدرة من العين، ليرسم بذلك حركة الندى، وهي حركة دقيقة تدل على دقة ملاحظة الشاعر ودقة تصويره، وفي البيت السابع : تشبيه الزهرة التي تظهر وتختفي مع حركة الرياح بفتاة عذراء تبدو بوجهها، ثم تختفي خجلا ممن يراها، وهي صورة أعطت المعنى حركة وحيوية . وفي البيتين الثامن والتاسع يرسم الشاعر مشهداً عاماً لما على الأرض من خضرة وزينة، ويجعل ذلك بحسب الألوان فئتين : صفراء وحمراء، ثم شبه كلا من الفئتين بعصبة مقاتلة وفق لون الرايات التي تحملها كل عصبة، ثم عاد الشاعر في البيتين العاشر والحادي عشر ليبين ببراعة عالية مدى الامتزاج والتناسب بين لوني الفئتين: الأصفر والأحمر: فالفئة ذات اللون الأصفر تشبه الدر المتلالئ الذي يلبس حلة حمراء، ثم يسكب عليها لوناً أصفر، فهي حمراء يغلب عليها اللون الأصفر، والفئة الثانية تلبس الأحمر - وتتظلل بالأصفر، فيظهر نوع من الألوان المختلفة عن أصل كل منها. والشاعر يصور هذه الحركة التبادلية المتناسبة بين الألوان التي تحلى بها وجه الأرض في الربيع إنما ليوحي أن هناك إرادة مبدعة أتقنت هذه اللوحة الكونية الرائعة بمقادير متناسبة لا يطغى بعضها على بعض لتؤدي منظراً تشكيلياً عاماً جميلاً في شكله ولونه وظلاله، وهو ما أشار إليه في البيت الأخير : (صنع الذي لولا بدائع لطفه، وفيه أيضاً إشارة إلى حقيقة أزلية كونية، هي أن الحياة لا تدوم على حال، وإنما تتجدد باستمرار. وقد استخدم الشاعر المنطق في معرفة هذه الحقيقة، فلولم يكن ذلك ناتجاً عن إرادة الله وفعله لبقيت على حال واحدة، ولما تحول الأخضر إلى أصفر، والأصفر إلى أخضر.

إجابتك

اسمك الذي سيظهر (اختياري):
نحن نحرص على خصوصيتك: هذا العنوان البريدي لن يتم استخدامه لغير إرسال التنبيهات.

2 إجابة

0 معجب 0 شخص غير معجب
بواسطة (533ألف نقاط)
 
أفضل إجابة
ومن أجمل الكلمات الواردة في هذين البيتين كلمة ( الغضارة ) التي وصف بها الجو الذي يحمل المطر، وتحته أرض قد لبست أبهى حلل فهذه الكلمة تكاد تقطر ماء وخضرة من خلال لفظها ومدلولها؛ حيث جاءت مصورة للمعنى المراد : ( رقة الجو ولطافة النسيم ، وخضرة الأرض ) بحروفها الخضراء الندية، ومدلولها الرقيق الأخضر الرطيب العميق، وفي البيت الرابع استخدم الشاعر الأسلوب الإنشائي ( يا صاحبي ، وهو نداء قصد به الحث على اغتنام الفرصة بالتمتع والتأمل في المشاهد الجميلة.
0 معجب 0 شخص غير معجب
بواسطة (533ألف نقاط)
شرح درس النص الشعري وصف الربيع كامل مع العناصر

اسئلة متعلقة

0 معجب 0 شخص غير معجب
0 إجابة
0 معجب 0 شخص غير معجب
1 إجابة
0 معجب 0 شخص غير معجب
1 إجابة
0 معجب 0 شخص غير معجب
1 إجابة
0 معجب 0 شخص غير معجب
1 إجابة
سُئل ديسمبر 4، 2019 بواسطة مجهول
0 معجب 0 شخص غير معجب
0 إجابة
سُئل أكتوبر 22، 2019 بواسطة فهيد (57.0ألف نقاط)
0 معجب 0 شخص غير معجب
0 إجابة
سُئل أكتوبر 20، 2019 بواسطة afhamni (533ألف نقاط)
0 معجب 0 شخص غير معجب
1 إجابة
0 معجب 0 شخص غير معجب
1 إجابة
0 معجب 0 شخص غير معجب
1 إجابة
0 معجب 0 شخص غير معجب
1 إجابة
0 معجب 0 شخص غير معجب
1 إجابة
...